المؤسس السادس لكتائب القسام في وحدة التصنيع العسكري
محسن عبد الله شحادة
قائد عسكري
2000-08-05
الشهيد القسامي :محسن عبد الله شحادة
المؤسس السادس لكتائب القسام في وحدة التصنيع العسكري
متفائل و اليأس بالمرصادِ، متفائل بالسبق دون جيادٍ، متفائل رغم القنوط
يذيقنا، جمر السياط وزجرة الجلاد، متفائل بالغيث يسقي روضنا، وسمائنا شمس
وصحو بادي، متفائل بالزرع يخرج شطئه، رغم الجراد كمنجل الحصادِ، متفائل يا
قوم رغم دموعكم، إن السما تبكي فيحيى الوادي، والبحر يبقى خيره أتضره، يا
قومنا سنارة الصيادِ.
فدعوا اليهود بمكرهم وذيولهم، نمل يدب بغابة الآسادِ، متفائل فبشرى النبي
قريبة، فغدًا سنسمع منطقا لجمادِ، حجر وأشجار هناك بقدسنا، قسما ستدعوا
مسلما لجلاد، يا مسلما لله يا عبدا له، خلفي يهوديا أبو الأحقادِ، فاقتله
طهر تربنا من رجسه، لا تبقي ديار من الإلحاد، قسما بمن أسرى بخير عباده،
وقضى بدائرة الفناء لعادِ، ستدور دائرة الزمان عليهم، ويكون حقاً ما حكاه
الهادي، هذا يقيني وهو لي بل الصدى، والكأس غامره لغله صادي، فاجعل يقينك
بالله حقيقة، واصنع بكفك صارماً لسدادِ...
قل أمثاله
إنه قائد ومن المؤسسين القدامى للجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية
حماس, وإليه ينسب إعادة ترتيب صفوف كتائب عز الدين القسام وإنشاء جهاز
الأحداث في بداية انتفاضة الأقصى الأولى.
أقض مضاجع الصهاينة حتى أصبح مطلوباً لقوات الاحتلال الصهيوني ولسلطة
"أوسلو"، أتقن شهيدنا جيدا التخفي, كما أتقن التحدي للصهاينة، ولأنه أدرك
جيدا أنه لن يمس أحد حياته بسوء إلا أن يكون قد كتبه الله عليه فقد مارس
حياته بشكل اعتيادي رغم الملاحقة والمطاردة.
كثيرون هم أولئك الذين تعلموا منه الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، رحمه
الله لقد كان نعم الأب والمربي والقائد ، وهو الأمر الذي جعله يترك فراغا
كبيرا بين المحيطين به من المحبين والمجاهدين بمجرد رحيله إلى الدار
الآخرة.
هكذا صفاتهم
عرفناهم قادة أفذاذاً في مختلف الميادين الدعوية والسياسية والميدانية،
الشيخ أحمد ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، المهندس إسماعيل أبو شنب،
الدكتور إبراهيم المقادمة، الشيخ صلاح شحادة... لقد كانوا جبالاً من الصمود
والثبات، ورواسي من المواقف.
ولكن.. هل هذه الصفات هي سمات شخصية لهذه القيادات، أم هي سمات فرضتها
ضرورات الحفاظ على القضية والنهج وعدم الخنوع والاستسلام، حياتهم غامضة لا
يعرفها جيدا إلا من عرفهم عن قرب، فلا تكاد تجد إلا أصحاب العلاقات
المباشرة معهم من يعرف علاقاتهم أمثال زوجاتهم وبناتهم، اللواتي كنّ ينظرن
إليهم بعين الحب والعطف والدفء العائلي.
شهادة قادة للقائد
"أبو صهيب" هو رائداً لفكرة الجهاد والتصنيع في كتائب العز القسامية ويقول
عنه الشهيد القائد الدكتور إبراهيم المقادمة :" محسن شحادة هو الذي يقنعنا
في التصنيع العسكري، وهو من بدايات المجاهدين الذين شاركوا في الأحداث
للانتفاضة الأولى وكان مسئولاً عن معسكر الشاطئ في جهاز الأحداث".
وبعد وقت قليل فقط على تأسيسه لجهاز الأحداث مع نخبة من القادة العسكريين
ومنهم محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، توجه القائد" أبو صهيب" إلى
عمله العسكري مع كتائب القسام وقال وقتها الضيف عن أبي صهيب:" سجلوا.. إن
كان لأحد فضل على تأسيس جهاز التصنيع، فمحسن شحادة هو المؤسس الحقيقي لهذا
الجهاز".
ومع قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة استطاع شهيدنا" محسن" أن يصنع
سلاح" عوزا حماس"، وجاءت صناعة هذا السلاح في الوقت الذي تعرضت فيه الحركة
الإسلامية لظروف قاسية جداً من حملات الاعتقالات والملاحقات على أيدي أجهزة
أمن السلطة.
في سجون الظلم
لم يكن حال شهيدنا بأفضل كثيرا من أحوال إخوانه المجاهدين، فقد طورد ولوحق
من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، واعتقله جهاز الاستخبارات العسكرية ثلاث
مرات ليلاقي خلال هذه الاعتقالات أشد ألوان التعذيب.. ولكن على الرغم من
ذلك فهامته مرفوعة رغم التعذيب، فما كان منه إلا أن واجههم بكل صمود..
واحتسب أمره لله رب العالمين.
كما واعتقل" أبو صهيب" عند جهاز الأمن الوقائي مرتين في أواخر عام 1996م،
وبعدها وبفعل هذه الملاحقات والمطاردات تفككت وحدة التصنيع العسكري لكتائب
القسام وبدأت الأمور تتكشف وخيانة الأجهزة الأمنية باتت واضحة وضوح الشمس،
فلم يصمت طويلا.. وفي ظل مطاردته خلال تلك الفترة توجه" محسن" إلى القيادة
السياسية لحماس يدعوها للخروج من هذه الأزمة والحد من الاعتقالات ورفض
تسليم المجاهدين لجهاز ما يسمى" الأمن الوقائي".
في مقام الأب
وعلى الرغم من أوقاته القليلة التي قضاها شهيدنا مع أفراد بيته كنتيجة
جوهرية وأساسية لسيطرة عمله الجهادي على معظم أوقاته، إلا أن" أبو عبد
الله" شقيق شهيدنا فيتحدث عن تلك اللحظات، ويقول:" كان أبو صهيب يقوم بمقام
الأب فكانت تربطنا به علاقة محبة وحميمة في أسرة مترابطة، ومن كلماته هو
حديث الرسول عليه السلام" رجل خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك شيء".
وتأثر القائد" أبو صهيب" برحيل واستشهاد العديد من القادة من أمثال الشهيد
يحيي عياش والقائد عماد عقل، ولحبه للجهاد والمجاهدين فقد آوى شهيدنا
الكثير من القادة الشهداء والأحياء، ومنهم القائد أحمد إنصيوا والقائد
العام لكتائب القسام محمد الضيف.
ميلاد قائد
ولد الشهيد القائد محسن شحادة في السابع والعشرين من فبراير من العام 1968م
ونزحت أسرته إلى قطاع غزة من مدينة" حمامة" بعد أن احتلتها العصابات
الصهيونية عام 1948، لتستقر بعد ذلك في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين.
أكمل شهيدنا الشق الثاني من دينه وتزوج في العام 1993م ورزقه الله ببنت
واحدة، ولقد آمن منذ نعومة أظفاره بأن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز
التفريط بذرة منها، وأنها قضية إسلامية يجب على كل المسلمين العمل
لتحريرها، وأن الجهاد في سبيل الله هو الوسيلة الوحيدة للتحرير وإزالة
الكيان الصهيوني الغاصب من الوجود.
عرف الطريق منذ الصغر
وانضم" أبو صهيب" منذ شبابه المبكر إلى صفوف الحركة الإسلامية وبايع الشيخ
أحمد ياسين علي الإسلام والجهاد في سبيل الله، وانضم فيما بعد إلى الجناح
العسكري الأمني واسمه" جهاز الأحداث".
قاد شهيدنا المجاهدين في جهاز الأحداث والذين أصبحوا فيما بعد يقاتلون من
خلاله قوات الاحتلال، وتمكنوا من خلال هذا الجهاز أيضاً وبفضل الله تعالى
تحقيق اختراق أمني للعدو الصهيوني من خلال اعتقال بعض العملاء والتحقيق
معهم، كما تمكنوا من اكتشاف الشبكات الصهيونية التجسسية، وصولا إلى إعدام
هؤلاء العملاء والخونة.
ويقول أبو عبد الله شقيق شهيدنا:" لو وصفت الشهيد أبا صهيب في كلمة واحدة،
لقلت الحديث الشريف الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم( رجل خرج بماله
ونفسه ولم يرجع من ذلك شيء) ينطبق تماماً عليه، فقد كان نعم الداعية ونعم
المربي، وكان يمارس الدعوة في كل مكان، وفي كل زمان.. في بيته.. وفي عمله
ومع إخوانه.
أما عن عبادته فقد كانت تتسم بالإخلاص والإتقان، ولعل التوفيق الذي كان
يمنحه الله إياه كان ببركة الإخلاص والإتقان في عبادته وتقربه لله سبحانه
وتعالى، ويتابع شقيق شهيدنا:" وحينما كنت أستمع لتلاوته للقرآن الكريم كنت
أشعر باستمتاعه الشديد بالقراءة، وكثيراً ما كنت أحب أن أسمعه وهو يقرأ من
القرآن الكريم، كما أنه كان عطوفاً جداً، حنوناً على أبنائه وغير أبنائه،
كان يحب الأطفال حباً شديداً".
يكسر الظروف الصعبة
" أبو مجاهد" رفيق درب شهيدنا القائد في التصنيع العسكري وأحد المقربين جدا
منه، قال عن صفاته وأخلاقه:" أبو صهيب رحمه الله علمنا الإخلاص هذا عدا عن
الحس الأمني والذكاء الذي كان يتميز به.. كما أنه صاحب عزيمة جبارة وطموح
عالي، وكانت لديه الرغبة في الابتكار والتنوع، فإحدى الابتكارات التي كانت
لدى أبو صهيب هي حل مشكلة السلاح وتوفير السلاح للمجاهدين، وكان وقتها
السلاح قليل جدا في قطاع غزة".
ويكمل أبو مجاهد بقوله:" بدأ أبو صهيب في تصنيع السلاح ولقد قطع شوطا كبيرا
في ظل الظروف القاسية وفي ظل الاحتلال الصهيوني وأيضاً كان وقتها السلاح
ضعيف، فاستطاع أن يحقق50% من المسدسات، فذهب إلى تصنيع قطعت" العوزا"،
وبعدها حدثت ظروف قاسية جداً في عهد سلطة أوسلو فقامت باعتقال المجاهدين
وتسليم السلاح، فكان شهيدنا حريصاً الاختفاء والتمويه منهم، وتم اعتقاله
ومجموعات قسامية معه، ورغم التعذيب القاسي إلا أنه لم يعترف على أي معلومة،
وبعدها خرج" أبو صهيب" والتقى مع القيادة السياسية للحركة وتشاور معها على
إخراج كافة المعتقلين من أبناء القسام من خلال صفقة تبادل مع السلطة
الفلسطينية بتسليم سلاح المجاهدين".
ويشير أبو مجاهد إلى أن" أبا صهيب" يعتبر قائداً فذا في مجال التصنيع العسكري وتجربته استطاع أن يستفيد منها كل المجاهدين.
ولم يترك القائد إخوانه المجاهدين رغم الصعاب التي مر بها، فكان معهم في كل
لحظة وكان دائماً يحذر إخوانه المجاهدين من المنافقين والعملاء المتربصين
بهم.
ومن المواقف الذي يتذكرها" أبو مجاهد" عن شهيدنا هو يوم وفاة والده،
فيقول:" كان شهيدنا على اتصال دائم مع إخوانه ويتابع عملهم العسكري، حيث
كان حريصاً على أن يكون صاحب شخصية غير معروفة للعملاء وحريص على جهاده في
سبيل الله".
شهادة كما تمناها
ولما تمّ تأكيد كتائب القسام استشهاد المؤسس" أبو صهيب" نتيجة حادث طرق على
شارع البحر غرب مدينة غزة في يوم السبت الموافق 5-8-2000 راحت الدموع
تنهمر، وراح القلب يخفق، وانطلق اللسان بالحولقة والاسترجاع، وتذكروا قول
الفاروق عمر رضي الله عنه حين بلغه خبر وفاة سيف الله المسلول خالد بن
الوليد رضوان الله عليه:" أعقمت النساء أن تلد مثل خالد".
كانت نفسه تتوق للشهادة ولقاء الله والجنة، وداعاً يعلم أنه لا لقاء بعده
في الدنيا، وأوصى بتقوى الله والثبات عند اللقاء وفاضت دموعه، وصيته كانت
مدرسة في الإيمان والإخلاص، فإما حياةٌ تســرّ الصديق، وإما مماتٌ يغيظ
العدا.
إنّ دماء هؤلاء الشهداء لن تضيع سدىً، وإنّ لهؤلاء الشهداء الأعزاء بواكي
وباكين بكوا ويبكون عليهم ولن يكتفوا بالبكاء، وسوف يجعلون نساء ورجال يهود
يندبون ويبكون كما بكت نساء ورجال فلسطين والعرب والمسلمين، وسوف يشفي
الله بهم الصدور، ويذهب غيظ القلوب، مصداقاً لقوله تعالى:" قاتلوهم يعذبهم
اللهُ بأيديكم ويُخزهم وينصْركم عليهم ويشفِ صدورَ قومٍ مؤمنين ويذهبْ غيظ َ
قلوبهم ويتوبُ الله ُعلى من يشاء والله ُعليم حكيم".